منوعات

الشهيد في أذربيجان وخريج الأزهر الشريف: السيد جمال الدين

صامد قولييف

موظف في إدارة مسلمي القوقاز

يُعَدُّ الشيخ السيد عين الزمان جمال الدين محمد الأزهري من أبرز الشخصيات التي أسهمت في تطور التعاليم الصوفية في العالم الإسلامي خلال القرن الثالث عشر الميلادي. لم تقتصر أنشطته الدينية والفكرية والاجتماعية على أذربيجان، بل امتد تأثيره إلى إيران، والأنادولو، وآسيا الوسطى.
يتناول هذا البحث سيرة حياة السيد جمال الدين، وإرثه العلمي، وتعاليمه الصوفية، ونشاطه الخيري والاجتماعي.
الاسم الكامل: الشيخ السيد عين الزمان جمال الدين أبو الحسن محمد الأزهري. كان من العلماء المتصوفين البارزين الذين عاشوا في القرن الثالث عشر، ومن شيوخ الطريقة الخلوتية.
أما نسبة “الأزهري” فتعود إلى دراسته في جامعة الأزهر الشهيرة في مصر.
تُذكر بعض المصادر التاريخية أن مولده كان في قرية مالوان التابعة لإقليم جيلان، بينما تشير مصادر أخرى إلى قرية تبكار الواقعة في محافظة شيراز الإيرانية كمكان ولادته.
في إطار مهامه في الدعوة الإسلامية، انتقل السيد جمال الدين إلى قرية بينسر (سابقًا بوتسه) التابعة لقضاء أستارا في أذربيجان، حيث واصل أنشطته الدينية والتعليمية.
كان السيد جمال الدين من مريدي العارف الصوفي الشهير، الشيخ شهاب الدين محمود الأهري (1180–1265)، مؤسس الطريقة الشهابية. وكان الشيخ الأهري قد بلغ مراتب الكمال في العلوم العرفانية متأثرًا بالفيلسوف الأذربيجاني المعروف شهاب الدين السهروردي (1155–1191).
منحه شيخه شهاب الدين لقب “عين الزمان”، وأرسله إلى منطقة جيلان. وكان الهدف من هذه المهمة تربية الشيخ زاهد، الذي أصبح لاحقًا من كبار علماء الصوفية. وقد وردت هذه الحادثة بتفصيل في كتاب “صفوة الصفى” للمؤرخ ابن بزّاز، حيث ذُكر أن السيد جمال الدين، حين التقى لأول مرة بالطفل زاهد، وضع يده على رأسه وقال:
“مرشدي شهاب الدين أرسلني لأُربِّي هذا الطفل.”
أسس السيد جمال الدين مدرسة دينية في قرية بينسر، حيث قام بنشر التعاليم الصوفية وتدريس المريدين القادمين من مناطق مختلفة. وقد امتد تأثير هذه المدرسة ليشمل أذربيجان، إيران، الأناضول، آسيا الوسطى والهند.
من أبرز تلامذته الذين أصبحوا علماء صوفية كبار:
• الشيخ زاهد
• السيد علي
• محمد الكيجابوري
• الشيخ أبو القاسم محيي الدين
• بابُل
لم تقتصر أنشطته على المجال الديني، بل قام باستخدام أموال الزكاة في مجال العمل الخيري. وقد أوفد ابنه السيد سعد الله إلى منطقة شروان ليتولى مهام الدعوة الإسلامية والأنشطة الاجتماعية. ولا تزال آثار هذه الأنشطة موجودة في المدينة القديمة في باكو (إتْشَري شهَر)، حيث توجد على مبنى يستخدم حاليًا كمركز صحي لوحة رخامية مكتوبة بالعربية جاء فيها:
“لقد أمر ببناء هذا المركز الخيري، مشعل النبوة، وتاج الرسالة، ابن السيد جمال الدين، سيد السادة، صاحب الخيرات، المرحوم بإذن الله، السيد سعد الله.”
تدل هذه الكتابة بوضوح على أن السيد جمال الدين لم يكن عالمًا دينيًا فحسب، بل كان ناشطًا اجتماعيًا ملتزمًا بمبادئ العدالة الاجتماعية.
توفي السيد جمال الدين في 28 نوفمبر من عام 1253م، ودُفن في قرية بينسر التابعة لقضاء أستارا، ولا يزال ضريحه معروفًا باسم “ضريح الشيخ جمال الدين” ويُزار من قبل العامة.
تذكر بعض المصادر العربية أنه استُشهد أثناء الحملة المغولية الثالثة (1255–1258م).
بعد وفاته، واصل تلميذه الشيخ زاهد نشر طريقته الصوفية في أذربيجان، مما أدى إلى ترسيخ أسس المدرسة الصوفية هناك.
يُعَدُّ السيد جمال الدين الأزهري من الشخصيات المهمة التي قدمت إسهامات كبيرة في نشر العلوم الدينية والتصوف ومبادئ العدالة الاجتماعية في العالم الإسلامي خلال القرن الثالث عشر. ومن خلال تلامذته، انتشرت تعاليمه ليس فقط في أذربيجان، بل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. لقد جمع في شخصيته بين العلم الديني، والطهارة الروحية، والعمل الخيري، مما جعله يُخلَّد في صفحات التاريخ الإسلامي.

زر الذهاب إلى الأعلى