الجريمة السلبية في القانون الجنائي
بقلم الدكتور : عادل عامر
ان السلوك الاجرامي المكون للركن المادي للجريمة اما ان يكون ايجابيا او سلبيا و تبعا لذلك انقسمت الجرائم من حيث مظهرالسلوك الى جرائم ايجابية و جرائم سلبية ، و الجريمة الإيجابية هي تلك الجريمة التي يكون السلوك المكون لركنها المادي ايجابيا أي ارتكاب ، كالسرقة و القتل والضرب ….الخ اما الجرائم السلبية فهي تلك الجرائم التي يكون السلوك المكون للركن المادي فيها سلبيا أي امتناعا عن عمل يأمر القانون بالقيام به ويعاقب من يمتنع عن ذلك كامتناع الشاهد عن اداء الشهاد وجريمة الامتناع عن حلف اليمين قانونية ، وليس للتفرقة بين الجرائم الإيجابية والجرائم السلبية اهميه كبيره من الناحية العملية الا في موضوع الشروع حيث لا يتصور الشروع في الجرائم السلبية لان هذه الجرائم اما ان تقع تامه او لا تقع.
-وقوع الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع :
ان الفقه الفرنسي الحديث يرى بانه لا يمكن ان تقوم الجريمة الإيجابية لمجرد اتخاذ موقف سلبي ما لم ينص القانون على ذلك بنص صريح وذهب قلة من الفقهاء الى ان هذا الراي لا اعتراض عليه في الاحوال التي لا يكون الجاني فيها ملزما بواجب يتعارض مع الموقف السلبي الذي اتخذه والذي ترتبت عليه النتيجة الجرمية وقد اخذ بهذا الراي الفقه الالماني وكذلك التشريعات الانكلوسكسونيه والقوانين التي اشتقت منها كالقانون الهندي والسوداني كما اخذ به جمهره من القانونين المصريين
اما اذا كان الشخص غير ملزم بواجب وكان موقفه السلبي يتعارض فقط ما مع تقتضي به الشهامة والمرؤة فلا يعد مسؤولا عن النتيجة التي ترتبت على موقفه السلبي ، واذا عاقب القانون في هذه الحالة ، فإنما يعاقبه على مجرد امتناعه عن بذل المساعدة بغير نظر الى النتيجة التي وقعت كما لو شاهد شخص ينازع الغرق فامتنع عمدا وبقصد القتل عن انقاذه من الغرق ، والمراد بالواجب هو كل واجب يترتب على التزام قانوني سواء كان مصدره القانون او الاتفاق او نشا عن حاله انشأها الجاني نفسه لان جريمة الامتناع المؤثمة بأنها (إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة بشرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل وأن يكون في استطاعة الممتنع عنه أدائه).
ان الامتناع المؤثم ليس عدما وفراغا وانما هو كيان قانوني له وجوده وعناصره التي يقوم عليها. (أن جوهر الخطأ غير العمدي هو الإخلال بالتزام عام يفرضه الشارع … ويفترض هذا الالتزام … استطاعة الوفاء به فلا التزام الا بمستطاع فالقانون لا يفرض من أساليب الاحتياط والحذر الا ما كان مستطاعا ولا يفرض التبصر بآثار الفعل والحيلولة دونها الا اذا كان ذلك في وسع الفاعل).
ان الامتناع المؤثم يقوم على عناصر ثلاثة :-
1- الأحجام عن إتيان فعل إيجابي معين.
2- وجود واجب قانوني يلزم بهذا الفعل.
3- استطاعة أداء هذا الفعل.
(الامتناع كالفعل الإيجابي سلوك إرادي، ويقتضي ذلك أن تكون الإرادة مصدره أي أن تتوافر علاقة السببية بين الإرادة والمسلك السلبي الذي اتخذه الممتنع، فأن ثبت أن الإحجام قد تجرد من الصفة الإرادية فلا يوصف بأنه امتناع في المعنى القانوني).
(غنى عن البيان أنه اذا اعتبر الواجب القانوني عنصرا في الامتناع يتعين أن يستخلص من ذلك اشتراط أن يكون في وسع الممتنع القيام بالفعل الإيجابي الذي ينسب إليه الأحجام عنه وذلك تطبيقا لقاعدة “الالتزام المستحيل”).وفى تحديده للمعيار الذي يجب الاحتكام إليه ليتبين مدى توافر الخطأ الغير العمدي في حق المتهم.
( اذا أصيب عامل الإشارات بالسكك الحديد بإغماء في الوقت الذي كان يتعين عليه فيه إعطاء إشارة تحذير الى قطار على وشك الدخول الى المحطة أو تعرض لإكراه … شخص حبسه في حجرة خلال هذا الوقت فلم يقم بالفعل الإيجابي المفروض عليه فلا يقال عنه أنه ممتنع في لغة القانون).
فمسئولية المتهم الجنائية ليست محل جدل ولا صعوبة على الإطلاق في تحديد المسئولية الجناية اذا كان نشاط الجاني هو العامل الوحيد في وقوع النتيجة أما اذا تعددت الأسباب فالأمر يختلف.
وحالات التعدد هي:
أ ـ حالة تداخل عوامل أجنبية في تحقيق النتيجة الإجرامية.
ب ـ حالات الخطأ المشترك سواء بين الجاني والمجني عليه أو الجاني والغير.
أولا :- حالة تدخل العامل الأجنبي
وقضاء النقض يرتب على هذا التدخل انقطاع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة . وفى ذلك تقول محكمة النقض بكل الوضوح والحسم: (الأصل إن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي مالم تتدخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة).
والجاني أو الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة العمدية يتحمل أو يتحملون كامل المسئولية عن جميع نتائج هذه الجريمة بما في ذلك النتائج الاحتمالية.
فجوهر الجريمة السلبية، وجود واجب يفرضه القانون، بإنزال العقاب على مجرد الامتناع عن القيام بفعل معين، فإذا تحقق الامتناع أو الإحجام عن القيام قامت الجريمة السلبية لأن القانون الجنائي قواعده آمره، وعندما يأمر بإتيان عمل يكون الامتناع عن إتيانه جريمة سلبية. ومع ذلك فهناك من الجرائم ما تكون صياغة الركن المادي الذي تتكون منه الجريمة على العموم بحيث يحتمل أن يقع بفعل أو بامتناع عن فعل فتكون الجريمة إما ايجابيه كجرائم القتل والإصابة الخطأ أو سلبية كامتناع رجل الإسعاف أو المطافئ عن إغاثة أحد أعدائه بقصد قتله.
أما وأن الملحوظ في نصوص القتل بقانون العقوبات انها لا تُحدد شكل السلوك الذي تقع به الجريمة ولا طبيعته وإنما تُعاقِب على كل سلوك ينشأ عنه موت فإن الحقيقة تؤكد أن القتل يحدث إما بفعل إيجابي أو يحدث كامتناع الأم عمدا عن إرضاع طفلها أو إحجام معلم السباحة عن إنقاذ تلميذه. ومما سبق يتضح لنا ان الامتناع كالفعل الإيجابي سلوك إرادي سواء بسواء غاية الأمر ان الإرادة تكون “دافعة “ للحركة في الفعل بينما تكون «مانعة» للحركة في الامتناع ، فإذا الامتناع كالفعل- سلوك -غاية الأمر أنه لا يتمثل في عمل معين، وإنما في الكف عن عمل معين وهو على هذا النحو يكون عاملا في إحداث النتيجة أي سببا لها بحيث لولاه ما وقعت. . يلاحظ بأنه ليس هناك من اثر من حيث المسؤولية والعقاب سواء أكانت الجريمة مرتكبة بفعل إيجابي أم بسلوك سلبي، وكل الذي يدور عليه البحث اختلافات فقهية ونظرية بحتة طالما أن المشرع المصري قد حَسَمَ المسالة وساوى بين نوعي السلوك (الإيجابي والسلبي) تعني الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع والتي ترتب المسئولية الجنائية علي مرتكبها الإحجام عن إتيان سلوك معين كان من شأن القيام به الحيلولة دون تحقق النتيجة التي يجرمها القانون الجنائي، ويترتب على الامتناع حدوث النتيجة التي يحظرها هذا القانون وذلك دون أن يصدر عن الشخص أي سلوك إيجابي.
وبتقديرنا فإن ما ذهب إليه المشرع المصري يتوافق تماماً مع الرأي الراجح في الفقه ومع غالبية التشريعات العقابية المعاصرة، كما أنه اتجاه تفرضه السياسة العامة لمكافحة الجريمة التي من مقتضاها عدم ترك اية فسحة للجناة كي يتخلصوا من العقاب بدعوى أن ما قاموا به (امتناعاً) وليس (فعلا إيجابياً). وبهذا النص أصبحت الوسائل جميعها بنظر المشرع سواء سلبية كانت أم إيجابية.
مقال رائع شكرا لسيادتكم
للمزيد حول الموضوع يمكن الاطلاع على مدونة واحة القانون