مساحة إبداع .. دقٌ


بقلمـ آلاء الرفاعي.
دقاتٌ مضت ودقاتٌ تمضي، تتعدد ! والحياةُ واحدة.
فتح بابه مُسرعًا وترجل درج منزله مهرولًا، ملابسه يهندمها على عجلةٍ وهيأته يرتبها بزجاج سيارته، حتى مشروبه الساخن مازال عالقٌ بيده ! وكعادته الزميمة الحديثة قد نسي ركعتين الصباح بل لم ينتبه لهما من الأساس .. ولعادة الطُرق مازال عالقًا بها لبضعة الوقت، ولكن هذا الوقت كافي بالتأكيد ليترجع الباقي من مشروبه الخاص.
– وبصوتٍ ناعم : صباح الخير.
– صباح الخير يا نهى، المدير وصل ؟
– لا، ولو وصل ! (وتكمل بنظراتٍ مُحبة) وراك متقلقش.
– تحاشى النظر إليها وهم مكملًا طريقه وهو يشكرها.
وضع حقيبته على مكتبه وشرع في تجهيز أدواته ليومٍ جديدٍ من العمل.
– وبصوتٍ مُداعِب يشير بعينيه لركنٍ ما : ما تبرها بقى يا عم.
– هي عارفة إني مليش في الكلام ده.
– وهي هتعرف منين .. هو أنت بتقولها كلمتين على بعض أصلا !
– أديك قولتها أنا مبقولش حاجة لا كلام ولا فعل، يبقى أكيد حاسة فتفهم، أنا موعدتهاش بحاجة بشكل مباشر أو غير مباشر، فمتلومنيش !
– تنهد وقال: عارف إني مش هسلك معاك بس معاك حق طبعا.
أحيانًا قد نظلم أنفسنا، وقد يكون هذا نتيجة لظلمٍ سابقٍ لها أو لظلم أخرينَ مسوا بها، نقهرها ونرضخها ونذللها لرغباتنا ،فتقبل بإختياراتنا مُسَلِمَه .. ولكن أين هي !؟
يوم عملي شاق، أبتلع ساعاته الأساسية والأضافية ولم يخجل أن يتركه حتى بمنزله .. لكنه أعتاد على هذا أو بالأصح عَوْدَ ذاته، بل وتلذذ بذلك !
وفي الثانية صباحًا قد أبى عقله أن يخضع للمزيد من أوامر العمل، فسلم له أخيرًا ونهض طلبًا لما يريد، فقادهُ لكلماتِ الصديق وذكرايات الماضي والمزيد والمزيد عن حياته بل عن الحياةِ بشكل عام.
مرت ساعاتٍ ولم يشعر، بل دوىّ أذان الفجر وكأنه لم يسمع ! لم ينتبه غير لصلاة الجنازة التي أُعلن عنها وأقيمت عقب الصلاة.
كمن سُكب عليه دلوًا من الثلج كان هو، وقف أمام صورته المنعكسة صامدًا، تذكر تقصيره لربه ببضعة الأيام الماضية، تذكر تقصيره في حق جسده، الذي هو أمانه عنده وهاهي تعود لخالقها بالقرب من منزله ! تذكر تقصيره في حق روحه وحياته، تذكر ذاته !
أزواجٌ من الجُدران مُتلاحمان ببعضهما البعض صامدين على أرضٍ شهدت الكثير وستشهد الأكثر، يسمُونها غُرف ولكنها حيواتٍ لأصحابِها … وعلى غِرارها قبور تُكمل مسيرتهم الأبدية.
فلعلهم شاهدينَ لدور خُلدٍ .. !


