خمسة تحديات صعبة أمام مستقبل سوريا

 

د. عمار علي حسن 

 

لم تنته الأزمة السورية بهزيمة داعش، وانكسار “الجيش الحر”، وانهيار “جبهة النصرة” وتمكن الجيش العربي السوري من السيطرة على أغلب أرض الدولة، بمساعدة ظاهرة من روسيا وإيران، فآثار انتفاضة شعبية تحولت إلى حرب أهلية ثم صراع إقليمي ودولي، تخلق تحديات جسيمة أمام دمشق في المستقبل، وهي ليس بوسعها نكرانها في ظل خطاب رسمي مفعم بالتفاؤل.

فهناك التحدي الذي سيمثله”المتطرفون الإسلاميون”، وهو لم يذهب بهزيمتهم في ميادين القتال، لأنهم بارعون في الانكماش والاختباء والمداورة لحظة الهزيمة استعدادا لجولة جديدة قد لا تكون بالضرورة هذه المرة عبارة عن مواجهة عسكرية مفتوحة إنما عمليات إرهابية قد تتواصل في موجة دموية تضيف إلى الدم الذي نزف غزيرا في بلاد الشام، وتعمق الخراب والتدمير الذي وقع بإفراط جراء القتال المتوحش، لاسيما أن وظيفة هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية لم تنته بعد لدى من يمولونها، ويوظفونها، ويفقون وراءها لتحقيق مصالحهم، التي لا تزال قائمة، كما أن عداءهم للنظام السوري لم يرحل بعد.

 لكن الأهم هو ما ستطلبه الدول التي ساعدت بشار الأسد على البقاء، خصوصا إيران وروسيا، فالأولى لا تدخل بلدا إلا وتغلغت فيه، فارضة نفوذها الثقافي والسياسي، بل والمذهبي عليه، وهي مسألة كانت قد بدأتها في سوريا تدريجيا قبل اندلاع الثورة التي تحولت إلى حرب أهلية ثم صراع إقليمي ودولي. أما الثانية فقد جاءت إلى الشام دفاعا عن مصالحها الاقتصادية بالأساس، إذ إنها تعلم جيدا أن قطر كانت تخطط، بمساعدة تركيا، على مد أنبوب غاز عبر أراضي سوريا، بعد سيطرة داعش أو النصرة عليها وانهيار نظام الأسد تماما، ليصل إلى البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا، الأمر الذي يضر ضررا بالغا بمصالح الروس، الذين يمتلكون أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، وهم المصدر الأول لأوروبا في هذا الشأن.

فإيران، وكما هو متوقع، ستطلب من الأسد ثمن إنقاذه، في صيغة امتيازات أكثر لها تسمح ببناء مجتمع عميق في سوريا، على غرار ما جرى في العراق، بعد إطاحة حكم صدام حسين، أما الروس فإنهم ربما يطلبون قواعد عسكرية أكثر، وأفضلية في إعادة بناء الجيش السوري، خاصة في مجالي التسليح والتدريب. بل إن هناك دلائل على أن هذه المطالب قد بدأت بالفعل، وربما كان متفقا عليها ضمنا، أو حتى بشكل صريح، في اتفاقات سرية، أو تعهدات قطعها الأسد على نفسه، ويعلمها جيدا كل الذين معه وحوله من أركان السلطة في سوريا.

وهذان تحديان ضاغطان من الخارج على السلطة الحاكمة، إلى جانب تحديات أخرى تتضغط عليها من الداخل، أولها ما يتعلق بالحفاظ على الدولة، سواء من حيث وحدة ترابها الوطني، أو قدرتها على القيام بوظائفها الطبيعية في المستقبل, فما جرى في السنوات الست الأخيرة ساهم في إيقاظ نعرات قومية يمثلها أكراد سوريا، ونعرات مذهبية يمثلها قطاع من المسلمين السنة. وهنا يبرز التحدي الثاني المتربطبتطبيب آثار القتال، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، في بلد صارت الثقة مفتقدة فيه إلى حد واضح بين السلطة الحالية وقطاع من الشعب، وعليها أن تبذل جهدا فائقا في سبيل استعادتها. والتحدي الثالث يرتبط بإعادة إعمار ما خربته الحرب الضروس، وإعادة ملايين السوريين ممن لجأوا إلى بلدان مجاورة، دون تباطؤ في هذا، أو تمييز، من أجل أن تبقى سورية دولة متعددة الأعراق والمذاهب والطبقات، كما كانت قبل 2011، رغم استبداد السلطة السياسية.

وهناك تحدي رابع يتمثل في استمرار الدور التقليدي لسوريا في الصراع العربي الإسرائيلي، على المنوال نفسه الذي كان قائما، حين كانت دمشق تتحدث عن قيادة ما تطلق عليه “محور المقاومة”. فمما لا شك فيه أن قدرات الجيش السوري قد تأثرت بهذا الصراع، وهي تحتاج إلى إعادة بناء في أسرع وقت، على الأقل لحماية الدولة السورية أمام أي أطماع إسرائيلية، أو رهن الإرادة السورية لطرف خارجي يفرض الحماية أو الوصاية، سواء كانت روسيا أو إيران.

أما التحدي الخامس فهو عودة سوريا إلى العرب مثلما كان قائما في الماضي، فسوريا كانت مع مصر والمملكة العربية السعودية تمثل ما سمي “دول المثلث العربي” في تسعينيات القرن العشرين، وطالما حافظت الدول الثلاث على تماسك النظام الإقليمي العربي، وبقائه عند الحد الأدنى المقبول، وهو وضع انهار الآن للأسف الشديد. وهذه العودةتتطلب أن تبذل السلطة السورية جهدا في تنقية الأجواء مع الدول العربية المختلفة معها، وأن تحرر الإرادة السورية من تأثير أي طرف يضغط في اتجاه إضعاف التوجه والانتماء العربي لسوريا، وفي المقابل يتطلب هذا من الدول العربية أن تفعل كل ما عليها في سبيل الحفاظ على عروبة سوريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق